ناول النساء لحبوب منع الحمل المحتوية على الهرمونات، يظل واحدة من القضايا الطبية الشائكة التي لا تزال محل نقاش وبحث علمي منذ أكثر من خمسين عاما. وتمثل الدراسة الحديثة للباحثين في جامعة “أبردين” بالمملكة المتحدة، بحق، واحدة من أكبر وأوسع الدراسات العلمية التي تم إجراؤها حول التأثيرات البعيدة والمتوسطة المدى لتناول النساء الحبوب الهرمونية لمنع الحمل.
والمثير للدهشة في نتائجها هو توصلها إلى ما يخالف غالبية الاعتقادات السلبية الشائعة حولها. ذلك أنها وجدت أن النسوة اللائي يتناولنها لديهن فرص متوقعة للعيش فترة زمنية أطول من اللواتي لا يتناولنها، وأن مستخدماتها أقل عرضة للوفاة بأمراض القلب وبالأمراض السرطانية، مقارنة أيضا بمن لا يتناولنها.
الواقع أن هناك تاريخا طويلا من الأخذ والرد والأحداث والاعتراضات والنجاحات على المستوى العلمي والطبي والاجتماعي، منذ مجرد بدء تفكير الباحثين الطبيين عن وسيلة دوائية تمنع احتمالات حصول الحمل في بدايات القرن الماضي، وحتى وصولنا إلى ظهور وانتشار توفر أنواع مختلفة من هذه الحبوب للمستهلكات اليوم في كل أنحاء العالم.
وهو ما يحتاج إلى عرض لفهم وإدراك جوانب تتعلق بالتسلسل التاريخي لظهورها وانتشارها، ومكوناتها، وطريقة عملها، وتأثيراتها المستقبلية، ودواعي الشكوك حول أمان تناولها، وضوابط وصفها واستهلاكها، وغيرها من الجوانب التي لا تحتاج إلى معرفتها النساء المتزوجات فقط، بل عموم النساء والرجال.
حبوب منع الحمل والدورة الشهرية
من أكثر الأمور التي تشغل بال المرأة عند تناولها لحبوب منع الحمل هو تأثيراتها على الدورة الشهرية. وبالأصل تعيد حبوب منع الحمل برمجة الدورة الشهرية لتصبح منتظمة وتستغرق 28 يوما.
وفي الـ21 يوما الأولى يتم تناول حبوب تحتوي على هرمونات أنثوية، وخلالها تتكون تدريجيا طبقة من الأنسجة الحية في بطانة الرحم. وفي الـسبعة أيام الأخرى يتم تناول حبوب لا تحتوي على أي هرمونات.
ولأن خلال هذه الأيام الـسبعة لا يتم تناول الهرمونات، فإن الطبقة التي تكونت في بطانة الرحم خلال الفترة السابقة تبدأ بالتساقط، مما يظهر على هيئة خروج دم الحيض. أي أسوة بما يحصل عادة في تتابع أحداث الدورة الشهرية الكاملة والمنتظمة.
وبالمقابل، هناك أنواع من حبوب منع الحمل التي لا يحصل خلال تناولها أي خروج لدم الحيض، أي حبوب لمنع الحمل ومنع الحيض. وتسمى حبوب ذات دورة مُطوّلة extended - cycle. وفيها تحتوي حبوب جميع أيام الدورة الشهرية على هرمونات. أي لا توجد تلك الحبوب الـسبعة الخالية من الهرمونات. وهناك عدة أنواع متوفرة من حبوب منع الحيض والحمل. منها ما يمكن تناوله بانتظام، يوميا، لمدة 12 شهرا، وبصفة متواصلة. ومنها ما يتم تناوله كل يوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم يتم تناول حبوب خالية من الهرمونات لمدة سبعة أيام، كي يحصل خلالها حيض يفرغ بطانة الرحم من الطبقة التي تكونت عليه بفعل الهرمونات خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة.
ومن الممكن للمرأة منع حصول الحيض حتى عندما تستخدم الأنواع العادية لحبوب منع الحمل، أي غير تلك التي تستعمل لمنع الحيض والحمل. وذلك بأن تبدأ بتناول حبوب علبة جديدة مباشرة بعد الفراغ من تناول حبوب الـ21 يوما للعلبة السابقة. أي دون تناول حبوب الأيام الـسبعة المتبقية من الدورة الشهرية والتي تخلو من الهرمونات. وبهذا تمنع المرأة عن نفسها حصول تقلبات في نسب الهرمونات بالجسم، وبالتالي تمنع حصول الصداع وآلام الحوض وخروج دم الحيض وغيرها من الأعراض المزعجة لها.
ولكن هذا ممكن بشرط أن تكون نوعية حبوب منع الحمل فقط هي من نوعية «أحادية الطور» monophasic pill المحتوية على نفس كمية الهرمونات في كل حبة دوائية وطوال الأيام الـ21 الأولى من الدورة الشهرية. وللتوضيح، هناك نوعان متوفران من حبوب منع الحمل، منهما نوع «أحادي الطور» المتقدم شرح تركيبها، وهناك نوع يسمى «ثلاثي الأطوار» triphasic pill أي أن محتوى الهرمونات في حبوب الأسبوع الأول يختلف عن الثاني، والثاني يختلف عن الثالث، والثالث يختلف عن الأسبوع الرابع. ولذا لا يُنصح باستخدام نوع حبوب منع الحمل «ثلاثي الأطوار» في منع الحيض.
والواقع أن هناك ظروفا عدة تضطر المرأة إلى الرغبة في منع الحيض، كالسفر أو الزفاف أو غيره. وهنا من الممكن فعل ذلك لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر متواصلة. وبعدها تُعطى الفرصة لخروج دم الحيض لمدة سبعة أيام، عبر تناول الحبوب الخالية من الهرمونات، أو ببساطة عبر عدم تناول أي حبوب من علبة أدوية منع الحمل.
على المرأة ملاحظة أنها تحتاج إلى نحو أسبوعين من بعدتوقفها عن تناول حبوب منع الحمل، لكي تبدأ عملية إنتاج البويضة في المبيض في الحصول. وفي الغالب يحصل الحيض ما بعد 4 إلى 6 أسابيع من بعد التوقف عن تناول حبوب منع الحمل. وعليها تذكر أنه خلال تلك الفترة من الممكن أن يحصل حمل.
وتشير المصادر الطبية المعنية بصحة الحمل والولادة إلى أفضلية تأخير الحمل بضعة أشهر بعد الانقطاع عن تناول حبوب منع الحمل، وذلك فقط لتسهيل حساب بدء الحمل، وتحديد موعد الولادة بالتالي. ولا يوجد سبب آخر. بمعنى أن حمل المرأة في أول دورة تلي التوقف عن تناول حبوب منع الحمل لا يعني وجود مخاطر على الجنين أو صحة المرأة فوق ما هو متوقع عادة خلال أي حمل. وتحديدا تظل احتمالات الإجهاض في حدود 15% أسوة بأي حمل آخر.
وقد يتأخر الحيض لدى بعض النساء بعد التوقف عن تناول حبوب منع الحمل. وربما تصل المدة إلى ثلاثة أشهر. وهنا على المرأة إجراء اختبار الحمل، لأنها ربما تكون كذلك. وإذا تأخر الحيض لمدة ستة أشهر، فعليها مراجعة الطبيب.
ومما يجدر ذكره أن تناول المرأة لحبوب منع الحمل لا يعني 100% أنها قد لا تحمل، بل 99% فقط. وحينها، لا يتأثر اختبار الحمل المنزلي، أي فحص البول، أو الذي يجرى في المستشفى، إما للبول أو الدم، بالاستمرار في تناول حبوب منع الحمل. والسبب أن تحليل الحمل يرصد وجود هرمون لا ينتج في الجسم إلا في حال وجود حمل. ولا داعي للهلع أو القلق على صحة الجنين، لو حملت المرأة وهي تتناول حبوب منع الحمل. والمطلوب فعله فقط هو التوقف عن تناول حبوب منع الحمل ومراجعة الطبيب. ذلك أنه على الرغم من كثرة حصول هذا الأمر، لا تذكر المصادر الطبية معلومات أكيدة عن تسبب ذلك الخطأ غير المقصود في أضرار على الجنين. ومع هذا يجب الحذر منعا لأي احتمال ولو ضئيل.
وبالنسبة لتناول المضادات الحيوية حال تناول حبوب منع الحمل فإن هناك احتمالات حقيقية لفشل منع الحمل. وبشكل أكيد عند تناول عقار «ريفامبيسن» المستخدم على نطاق محدود عادة. أي في معالجة حالات الدرن tuberculosis، أو ما يُعرف بـ»السل». أما الأنواع الأخرى من المضادات الحيوية، فإن هناك احتمالات نظرية وضئيلة لتسبب تناولها مع حبوب منع الحمل في فشل منع الحمل. ولا توجد في الحقيقة دراسات طبية تثبت ذلك بشكل عملي وواقعي.
F:altibbi